الأربعاء، 30 أغسطس 2017

(رد مختصر على من ضعف حديث فضيلة صيام يوم عرفة وعاشوراء).

بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن عجب أن ترى بعضهم مهموما بتعبد الناس! مغتما بازديادهم في الطاعة، وأمارة ذلك: أنك لا تراه يرفع رأسه بقول بعض نقّاد الحديث إلا في تضعيف حديث من أحاديث القربات، ونص من نصوص التعبدات، ومن ذلك ضيق نفوس بعضهم من أحاديث صيام يوم عرفة، فتراه يسعى قد شمر ثوبه نكيرا على من صامه كأنه أتى بابًا من المناكر، ثم تراه بعد ذلك فاتر الهمة، بارد المشاعر إذا انتهكت حرمات ﷲ! فسبحان الله.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﺰﻣﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻗﺘﺎﺩﺓ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ قال: "ﺻﻴﺎﻡ ﻳﻮﻡ عرفة ﺃﺣﺘﺴﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻔﺮ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻪ ﻭاﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺪﻩ، ﻭﺻﻴﺎﻡ ﻳﻮﻡ عاشوراء ﺃﺣﺘﺴﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻔﺮ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻪ".

• وقد زهّد بعضهم في فضيلة صيام هذه الأيام بما جاء عن الإمام البخاري قال: "لا يعرف للزماني سماع عن أبي قتادة" ونسب القول بتضعيفه للدارقطني أيضا.

وهنا إشارات في الرد على دعواه والله المستعان:
• لئن سلمنا أن الحديث قد ضعفه البخاري؛ فقد صححه أئمة كبار: كالإمام مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن جرير وابن حبان والطحاوي والحاكم وابن عبدالبر وابن حزم والبغوي والنووي وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن حجر.
وهذا ترجيح منهم لقول مسلم باتصال الحديث، بل إن السيوطي جعله من الأحاديث المتواترة وذلك لكثرة شواهده التي يقوي مجموعها حديث أبي قتادة.
- وقد قال النسائي : "هذا أجود حديث عندي في هذا الباب".
- وقال الإمام الطبري:"هذا خبر عندنا صحيح سنده، لا علة فيه توهنه، ولا سبب يضعفه، لعدالة من بيننا وبين رسول الله ﷺ من نقلته".
- وقال ابن تيمية: "صح عنه ﷺ أنه قال: "صيام يوم عرفة يكفر سنتين وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة ".

• وليس من الطريقة الحديثية أن يعمد أحدهم إلى مقالة ناقد من نقاد الحديث أثبت شيئا أو نفاه وخالفه غيره فيقدم قوله دون أن يسوق المرجح لتقديم قول أحدهم، لاسيما مع مخالفة كثير من الأئمة لأحد القولين، فمن رد حديثا أو أثبته بمجرد ذلك فقد استدل بموضع الخلاف وهذا ليس من العلم في شيء.

• ثم قصارى ما جاء عن البخاري نفي ثبوت سماع الزماني من أبي قتادة، وهذا نفي للعلم وليس علما بالنفي، وللعلماء مسالك في منهج البخاري وشرطه بثبوت السماع وعدم الاكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقاء، فإذا تخلف شرطه هذا هل يقضي ذلك بالتضعيف أم أنه إنما ينفي الأصحية؟
ومما لا شك فيه أن اليقين هو الحكم بتوقفه، وما فوق ذلك فمحل تردد، ولذا ذهب أئمة كأبي الحسن القطان إلى أنه من جنس التوقف وليس حكما بالتضعيف، بل ذهب آخرون إلى أن ذلك شرط عال له في صحيحه، وتخلفه لا يدل على الضعف، بل ربما صح عنده ولكنه على غير شرط كتابه كما نصره البلقيني وغيره.

• يرجح السماع أن راويه عن غيلان بن جرير عن الزماني هو شعبة، وكان لا يروي إلا ما ثبت فيه السماع، ما لم يأت عنه النفي ولن يأت عنه نفي ذلك.

• ثم قال المضعف لحديث أبي قتادة أن الدارقطني قال ذلك! وهذا زيف وباطل من القول، فإن الدارقطني ذكر الحديث وساق طرقه ثم لم يحكم بتضعيف الحديث، وكأن هذا المضعف لطراة عهده بكتب العلل حين رأى الدارقطني قد جاء على طرق الحديث يبين الاختلاف على بعض الرواة، ظن ذلك تضعيفا للحديث.
أو ربما حين رآه ذكر طريق حرملة الشيباني عن أبي قتادة ثم قال: "هو مضطرب لا أحكم فيه بشيء"، ظن أنه تضعيف لكل طرق الحديث، وليس كذلك فإنما أراد الدارقطني بذلك طريق حرملة، دون غيره، وهو مع هذا لم يقض فيه بشيء بل توقف وتلبث، فجاء هذا فضعف الحديث ثم لم يكتف حتى ألقى جريرته على الدارقطني وقوّله ذلك.

• فأما صيام عرفة لغير الحاج فقد دل عليه ما ثبت في الصحيحين ﻋﻦ أم الفضل ﻗﺎﻟﺖ: "ﺷﻚ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ يوم عرفة، ﻓﺄﺭﺳﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺈﻧﺎء ﻓﻴﻪ لبن ﻓﺸﺮﺏ".
فلولا أنهم قد اعتادوا صيامه في مثل هذا اليوم في غير سفر لما تنازعوا وشكوا في ذلك.

• وقد كان الصحابة والتابعون يصومون هذا اليوم، ويتحرونه بذلك؛ كما ثبت عن عائشة والزبير بن العوام وابنه عبد الله وعثمان ابن أبي العاص وإبراهيم النخعي وغيرهم.

• وهو مذهب مشهور عند السلف -في غير السفر- حتى قال الترمذي بعد أن روى حديث أبي قتادة السابق: "وقد استحب أهل العلم صيام يوم عرفة إلا بعرفة".

• وقال الطبري في صوم يوم عرفة: "وقد اختار صومه على إفطاره جماعة من الصحابة والتابعين، حتى لقد صامه جماعة منهم بعرفة، وبوّب: (باب ذكر من كان يؤثر صوم يوم عرفة على الإفطار فيه ومن كان يأمر بذلك من الصحابة والتابعين)
ثم روى ذلك بأسانيده عن عائشة والزبير بن العوام وعثمان بن أبي العاص والحسن وسعيد بن جبير".

• والقول بصومه مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، كما حكاه عنهم ابن هبيرة قال: "واتفقوا على أن صوم يوم عرفة مستحب لمن لم يكن بعرفة".

وأما صيام عاشوراء فقد صح عن النبي ﷺ من حديث جمع من الصحابة كابن عباس وابن عمر وعائشة ومعاوية وسلمة بن الأكوع وجابر بن سمرة والربيع بنت معوذ وغيرهم وأحاديثهم في البخاري ومسلم والسنن.
وهو مذهب عامة السلف.


والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق